الراهن العربي من العدد الرابع - حتى تاريخ 14 ابريل/ نيسان 2023

اشتباك عربي

 

مقـدمــة:

في شبه الغياب لحركة التحرر العروبية تحتل الأنظمة المشهد العربي مما يزيد في تغييب الشعب وخصي الوعي النقدي عامة، طالما قوة وأداة النقد مغيبة أو باهتة.

إن المشهد العربي بناء على دور الأنظمة مثابة مرآة في العموم اسمها واحد وفي الواقع محطمة إلى أجزاء تصعب إعادة تركيبها، مما يلعب دوراً في صعوبة استعادة الشارع العربي لقضاياه الرئيسية، وتبقى الاستعادة شرط الخطوة الأولى للمشروع بقدر ما هو هام بقدر ما هو قيد مُغرَّب جداً. تلتقي أنظمة عربية فيما يزيد الافتراق وتختلف فيما يقوي المشترك العربي.

 

شهدنا في الأشهر الأخيرة ستة أنظمة عربية تشجب العمليات الفدائية ضد الكيان الصهيوني الإشكنازي، بينما لا تخجل بالحد الأدنى لتنتقد وحشية الكيان. وهذا الإفتآت ليس صدفة ولا جهلاً بل ضمن مشروع لتصفية القضية الفلسطينية وانتزاعها حتى من الوجدان العروبي، فما بالك من قرار المقاومة؟ 

إن تجرُّؤ أنظمة على شجب المقاومة، وصمت أخريات عنها، ومشاركة أنظمة في مؤتمر العقبة أيضا ضد المقاومة ومؤتمر شرم الشيخ، إن هي إلا مكونات لموقف رسمي عربي في معظمه متخارج وضد المقاومة ومغرق في التبعية. ولا تختلف لقاءات السعودية ودول الخليج ودول عربية أخرى، فكل منها يقيم علاقات فُرادى مع الغرب ومع الشرق مما يجعلها الطرف الأضعف من جهة والمبتعد عن المصلحة العروبية المشتركة من جهة ثانية، بل إن البعثرة والتجزئة تحدث بقرار ووعي لقطع الطريق على أي تبلور عروبي.

 

صحيح أن الهدنة السعودية الإيرانية هامة لحقن دم الضحايا وهي عربية بحتة، هذا دون الدخول في توقعات مآلاتها لا سيما فيما يخص التحشيد الطائفي المديد والمتبادل من المشايخ سواء علانية أو سرا وهو الأخطر؛ مما يعني أن توقف الحكام، إذا كان صحيحاً، لا يعني نزول هذا إلى أدوات الأنظمة ومثقفيها العضويين من رجال دين ولبراليين وانتهازيين حيث يفتك هؤلاء بالقاعدة الشعبية. فالتحريض الطائفي والديني والمذهبي في مختلف الأديان هو الأخطر لأنه تحشيد شعبوي، وغالباً تتم تمظهراته قاعدياً كما لو كان خارجاً أو بعيدا عن المواقف السياسية. ويجب علينا تبيان للقراء بأن هذا التحشيد هو الأخطر وهو الذي يعيش طويلاً. لعل أوضح مثال على هذا حرب المشايخ باسم الطائفتين مع أنها في خدمة الأنظمة وخدمة وظائف المشايخ، هذه الحرب تشكك في كل التاريخ والحديث والأقوال حيث ينفي كل طرف رواية الآخر!

المهم أن هناك كما يبدو توجه من الطرفين لهدنة وربما أبعد، وهذا هام ويجب علينا متابعته بمستويين:

الأول: توضيح مدى تطابقه مع العروبة كما نراها كي لا يُهيمن الخطاب الرسمي على الجماهير، وهذا مكسب هام لها حيث تُعفي نفسها من السيطرة بنعومة الهيمنة.

وثانياً: مواصلة نشر رؤيتنا لما يجب أن يكون عليه الحال أي التغيير وليس الشرح والتفسير.

 

ولكن الهدنة احتوت أيضاً بنداً يتضمن خطرين مضادين للعروبة بلا مواربة، وهو بند تمسك السعودية بالمبادرة العربية وهذا يعني:

أولًا: الإقرار ببقاء و"حق" الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة 1948 والتطبيع معه من كل نظام يقبل بهذه المبادرة أي مختلف الأنظمة العربية.

وثانياً: التمهيد لتسويد النظام السعودي على الوطن ككل.

يبقى أن نشير إلى أن الهمروجة الإعلامية للانفتاح الشكلاني على سوريا بعد الزلزال يتم عبر خطة خبيثة، تمسح جريمة قيام أنظمة بالعمل إرهابيا على اجتثاث القطر العربي السوري بأكمله وتجاوز كل هذا، بل تقزيم الجريمة إلى مساعدات دوائية وغذائية مغلفة بغوغاء الإعلام وتصريحات الرسميين ومأذون لها من الإمبريالية الأمريكية ولفترة محددة!

لذا، يجب:

·         النظر بحذر إلى المجاملات الدبلوماسية بين الأنظمة العربية وسوريا بينما لا يحتج أياً منها على العدوان الصهيوني والأميركي المتكرر على سوريا.

·         الإصرار على أن بنية ومصالح وإيديولوجيا هذه الأنظمة لا ترقى قط إلى الانتقال إلى المشروع العروبي.

 

ترافق مع بداية نيسان الجاري "ونحن نُعد هذا المشهد" تزايد انتهاكات العدو للأقصى والذي أدى إلى ردود من المقاومة، وهذا أمر هام بغض النظر عن طبيعة وشدة الردود وكذلك بغض النظر عن أن هذه الردود لجمت تطاول العدو ولم تمتد إلى الرد على العدوان ضد سوريا، ولكن لا ندري مدى بقاء/ صمود نصف الهدنة هذه.

لكن أهمية الردود كامنة في مجرد حصولها لأن هذا يقود إلى:

·         لأن الرد هو مقدمة للانتقال إلى المبادأة من جانبنا

·         لأن الرد يخرجنا من نطاق الكسل.

·         لأن الرد يعني/ يؤكد أن التناقض تناحري.

·         لأن الرد يصد الهواء الفاسد لمشاريع التسوية، يبقى وجوب اشتعال الشارع العربي هو ما نطلبه بلا تردد.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهو يُعيد إلى واجهة الحياة اليومية للمجتمع العربي التواشج بين الحركة الوطنية الفلسطينية والأردنية، كمقدمة لتواشج عروبي مما يؤكد بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية عروبياً.

 

صحيح أن مسألة العروبة والتحرير جرى تغييبهما على مدار عقود هيمنت فيها أنظمة النفط والممالك، لدرجة أصبح ذكر العروبة والتحرير مثابة هذيان. وخاصة مع صعود وسيطرة قوى الدين السياسي ومشروعها الإرهابي الذي خُطط له ويُقاد إمبريالياً.

 

-         الساحات:

-         الأرض المحتلة:

مجددا تعود الأرض المحتلة عبر النضال الفدائي الجديد وليس فقط العدوان كبؤرة التناقض والصراع، حيث الأرض المحتلة والأسرى وسوريا تمثل ميدانيا مختلف أطراف محور المقاومة وتشد العالم بأسره. ويرد العدو بمستويين من العسف: مستوى الانتقام الوحشي بلا حدود ومستوى أخذ الصراع إلى مزاعم الرواية الدينية التوراتية بقصد:

·         الهروب من الرواية العلمية التاريخية المدعومة أركيولوجياً.

·         نسخ وزعم إنشاء وتبني مختلف الملاحم العربية القديمة في العراق وسوريا وحشوها في كتبه.

·         استخدام الإعلام والمال والأكاديميا والسياسة لنسج كتابات ومؤلفات تعتمد التوراة وما أُلحق بها لتغييب الرواية التاريخية.

وعليه حتى اليوم كان هروب الكيان لصالح الرواية الدينية ناجحاً بدعم الغرب بأكمله عبر تزييف كاد يكون معولماً.

 

صحيح أن اليهود عموماً والحركة الصهيونية خاصة تمسكوا بالرواية الدينية أي التوراتية وما تلاها من تشريعات ...الخ، ولكن كل هذا لم يكن ليلعب دوراً في إقامة الكيان قط لولا دخول الغرب بدءاً من بريطانيا وهولندا الإنجليكانيتين حقبة الرأسمالية بمحتويها: الاقتصادي الإنتاجي محلياً والاستعماري خارجياً. ومن هنا كان التلاحم بين الرأسمالية وبين الصهيونية. وهذا يقتضي دقة في الرؤية بمعنى، أن الأساس في إقامة الكيان ليس لا التوراة ولا الحركة الصهيونية بل الحاضنة الرأسمالية الغربية حتى اليوم. وكل ما نشاهده اليوم من تصريحات وعنتريات قادة الحكومة الحالية في الكيان والتمظهر بالخروج على إرادة سيدها الغربي، إنما من أهم أهدافه تثبيت الرواية التوراتية وإخفاء الحقيقة الكبرى وهي أن كامل هذا الغزو الاقتلاعي لفلسطين والتدمير واحتجاز التطور العربي لم يكن ليحصل قط لولا قوة الرأسمالية الغربية ولاحقاً في مرحلتها الإمبريالية واليوم العولمة. أي لولا الغرب الرأسمالي الإمبريالي لبقي أتباع هذه الديانة في المعبد المتخيَّل يرددون بكائيات على ارتباط مُدَّعى بقبيلة عربية قديمة انقرضت تماما قبل ثلاثة آلاف سنة، حيث لا يُعقل أن انفجاراً نوويا أصاب تلك القبيلة الصغيرة فتطايرت شظاياها من رأس الرجاء الصالح إلى مضيق برنج إلى بلاد الآسوج/ السويد إلى كندا، وتلونت بشرة كل شظية منها بلون بشرة أهل هذه المنطقة أو تلك. معروف طبعاً أن أدبيات الاستعمار البريطاني أصرَّت على قراءة فلسطين على أسس دينية وحتى مذهبية، وذلك لأغراضها المنسجمة مع الهدف الصهيوني.

 

ولكن طرأ مؤخراً متغير هام وهو الرد على الكيان مباشرة بعد الانتهاك الفظيع للأقصى. وحيث نرصد في إشتباك عربي الصراع المسلح بين المقاومة والكيان، وإن بشكل محسوب بدقة من الطرفين، تحاول سلطات الكيان الحالية بالمقابل كطبعة صهيوشكنازية في صراعها مع الإشكنازية المؤسسة للكيان، توظيف الصراع لصالح مشروعها لوراثة نقيضتها وهو مشروع تحويل الكيان إلى دولة دينية نابذة للصهيونية العلمانية التي لا تكتفي هذه السلطات بحدود دينيَّة السلطة السابقة من جهة، وفرض رؤيتها الدينية على الطرف العربي كي يتعاطى مع الصراع كمسألة دينية في الأساس.

ولعل أهم ما يلفت هو محاولة سلطات الكيان التغطية على أن تأسيس الصهيوني ليس يهودياً وإنما غربي استعماري، وبأن إقامة الكيان كان ولا زال محالاً دون التأسيس والاحتضان المطلق من قبل الغرب. كما أن ما يشجع الكيان على هذا التغوُّل والادعاء هو الواقع الرسمي العربي سواء التطبيع السري أو العلني.

 

بالمقابل، يتزايد الضخ الإعلامي في مديح التحولات الشكلية للنظام العربي الرسمي باتجاه سوريا، وهذا علينا رصده بحذر شديد تجاه شكلانيته وتجاه تشويهه للتطلعات والرؤية الشعبية. فالاشتباك مفتوح، والعدو لا يزال مدعوما غربيا وعربياً للجم المقاومة سواء في مؤتمري العقبة وشرم الشيخ، والأخطر توسط قطر مع حماس وتوسط الإمارات مع الكيان لتهدئة الاشتباك. وهذا التوسط هو لا شك تكليف أمريكي لكن خطورة أبعد بمعنى أن الأنظمة العربية تمارس بقصد تثبيت أن الكيان "شرعيا"، مما يقود إلى تطبيع المقاومة وإن تدريجبا ضمن مراهنة على "تحسين" علاقاتها ببعضها ومع سوريا وإيران، أي تمرير رؤية سياسية تقوم على تصالح مزدوج بين الأنظمة ومع الكيان!

 

-         لبنان:

إن ما يحصل في لبنان هو التدهور الطبيعي الذي أسست له الطائفية يمستوييها: الدين السياسي والتطييق السياسي للطائفة، أي نقلها من حالتها كجزء طبيعي من المجتمع في مرحلة من مساره الاجتماعي إلى تحولات طائفية، أي من طائفة إلى طائفية، إلى مجتمع موازي ومعادي للآخر. بل حتى في لبنان وغيرها بُنى مذهبية في الدين الواحد مضادة لمذاهب أخرى في الدين الواحد. ولأن الطائفية جاهزة للخيانة القومية ولأنها أي كل بنية طائفية أعجز من أن تقف على قدميها وحدها فهي متخارجة وبالتالي تابعة سواء للغرب، أو لإيران أو لتركيا أو حتى للكيان. إلغاء الطائفية السياسية لا يكفي بل إلغاء الطائفية الدينية وإعادة الناس إلى الدين الإيماني والروحاني.

 

هذا التوازن الطوائفي أوصل البلد إلى تدهور الإجماع من حده الأدنى أو الشكلي كتغيير التوقيت إلى حده الأقصى في العيش بلا رئاسة، بانتظار سادة دوليين وإقليميين ليقرروا للبنان الكبير طربوشه!

في الأيام الأخيرة كان لبنان كفلسطين على حافة دخول الحرب. وفي حال كهذا، ربما لا يقاوم طرف ويحتجب طرف، بل قد يصطف طرف لصالح العدو. ولعل هذا ما دفع المقاومة لرد محدود كما أن العدو كان رده محدوداً نظراً لإشكالاته الداخلية من جهة، وحاجة العدو الأمريكي لتهدئة هنا ولكن مقرونة ببعض التهديد.

 

-         سوريا:

لافت وربما مفارقة أن يؤدي دمار الطبيعة إلى توقف دمار أنظمة التبعية ضد سوريا، ومقلق ٌ أن ينحصر هذا التوقف في مستوى "الإحسان والصدقات واللغو الرسمي باسم العرب". ولكن لعل الأهم في الوضع السوري رغم كارثة الزلزال ليس هنا، بل في الموقف السوري الواضح تجاه مناورات العدو التركي الذي لم يُنضج ولم يُنه أي ملف فتحه أو انضم إليه، حتى حينه على الأقل. 

فرغم تعدد مناورات وتمدد النظام التركي إلا أنه يعتبر "الإنجاز" الوحيد له هو المساهمة في تدمير سوريا واغتصاب جزء جديد من أراضيها وأراضٍ عراقية، أي مواصلة العدوان الطوراني التاريخي ضد العرب. ولذا، يناور أردوغان ليغتنم لقاء مع الرئيس الأسد قبيل الانتخابات ليكسب بشكل ثلاثي:

·         أي بقاء العدوان

·         وكسر الإرادة السورية

·         ودخول الأسواق العربية التي لا يُنتج أهلها!!

·         وتأكيد الحصول على أصوات أكثر.

 

ومن جانب آخر، فإن الانفتاح الشكلاني الرسمي العربي على سوريا محفوف بمخاطر محاولات فك تحالفها مع إيران والتغلغل ضد محور المقاومة وجرها إلى التطبيع في التحليل الأخير، ولا يقلل من هذا الخطر ذلك التطبيل الإعلامي البرجوازي العربي بأن أنظمة التطبيع تبرده أو تتراجع عنه تدريجياً! فهذه الأنظمة مرتبطة لم تخرج وليست مؤهلة بنيويا وإيديولوجيا للخروج من تحت المظلة الأمريكية من جهة، ولا تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها، لأن هذا الاعتبار يعني الانتقال من القطرية إلى الدولة العربية وهذا ما لا تقبل به. بالأمس كانوا يقولون "فلسطين ليست قضيتي" نعم وكانت قضيتهم تدمير سوريا، فهل عشقوها اليوم؟

 

وهكذا، فإن الانتصار العسكري السوري النسبي أو غير المكتمل ليس كافياً ولا ضامناً لتعافي سوريا التي يُقتطع منها الملايين من الشعب ومساحات واسعة، بينما تتعرض الدولة بكاملها للحرب الاقتصادية التي قررتها الولايات المتحدة ومارستها الأنظمة المحيطة بسوريا. باختصار، لا يجب أن نطمئن عميقاً بأن سوريا تجاوزت الحروب ومفاعيلها لأنها تبدلت من حرب إلى أخرى بجانبها، ولعل آخرها الحرب الدبلوماسية. لقد مضت ثلاث عشرة سنة بين تدمير العراق واحتلاله. صحيح أن الظرف اختلف وكذلك التخندقات ولكن لا شيء مطلق التكهن به، فالاتحاد السوفييتي الذي خذل العراق وروسيا التي خذلت ليبيا، تحل محلهما اليوم روسيا التي تعتبر مليون مستوطن روسي في فلسطين من رعاياها بينما هم غُزاة! 

بعد تهبيط مصر وتدمير العراق والاستمرار إلى تدمير سوريا، هذا دفع مشروع التحرير والعروبة إلى الوراء. فما هي ملامح دخول الصين إلى الوطن الكبير وهدنة السعودية وإيران؟ هذا للتساؤل وليس للإجابة.

 

-         العراق:

تمر هذه الأيام ذكرى سقوط بغداد الثاني هذه المرة على يد تتار الغرب وعملائهم العرب في خدمة الكيان الصهيوني. بل منذ 1991 قام العدوان الغربي بتدمير العراق وحين احتل بغداد 2003 نصَّب عليها من استجلبهم من الخارج وأمسكوا بعنق البلد، وجعلوه حالة تقاسم غير معلن ولا مكتوب بين أمريكا وإيران. فالعراق اليوم يستورد التمور وكان منتجها الأول عالمياً ويستورد النفط وكان ثاني منتجيه.

تغرف أمريكا نفط العراق وتخزن الفائض لديها وترسل بالطائرة دولارات إلى سلطة تنفق على تحالفها وقواعده وموظفيه وتدفع على شكل أتاوة للكرد الذين تخصصوا في حماية نفط سوريا المسروق أمريكيا، ولا يبقى ما يمكن استثماره، بل لا توجد حتى سياسة إصلاح اقتصادي في وضعية استرخاء ما قبل رأسمالي أي ريع وتحكم به وإنفاق على الحواشي. ومع ذلك يقولون تحرر العراق ودخل محور المقاومة!

 

تقول التقارير الإعلامية: "... بينما مؤخراً تعمل قطر على "الاستشمار" في العراق! بعد أن كان جنة وكانت بوادياً. وفقًا لتقارير إعلامية نُشرت أخيراً، تستعد الدوحة لنقلة حاسمة في قطاع النفط والغاز في العراق، مع إبداء شركة «قطر للطاقة» العملاقة اهتمامها بالدخول في مفاوضات مع شركة «توتال إنرجي» لشراء حصة في مجموعة من مشاريع الطاقة التي تديرها الشركة الفرنسية في هذا البلد بقيمة 27 مليار دولار؛ أي نقل نفط العراق من التأميم إلى الشركات متعدية الجنسية... الاتفاق المحتمل سيثير ارتياح الحكومة العراقية الجديدة ورئيس وزرائها محمد شياع السوداني، في وقت تواجه البلاد نقصاً حاداً في انتاج الكهرباء، وتقع تحت عبء اضطرابات سياسية. كما أنه قد يساعد على احتواء نفوذ طهران القوي في البلاد، إذ تعتمد بغداد حالياً بشكل كبير على إيران المجاورة لتزويدها بالكهرباء والغاز. ومع ذلك، يضيف ويدرسهوفن لـ "the Cradle" أن «الفساد وغياب الاستقرار الداخلي والنفوذ القوي لإيران القوي هي أهم عوامل هجرة المستثمرين الأجانب من هذا البلد».

 

بعض المحللين، مثلاً، يعتقدون بأن المشاركة القطرية تتماشى إلى حد كبير مع الاستراتيجية الأميركية الجديدة لتزويد أوروبا بالنفط والغاز العراقي، وخفض الايرادات الروسية إلى أقصى حد ممكن. في هذه المعادلة، يُنظر إلى قطر على أنها حليف رئيسي جديد للولايات المتحدة في الخليج، خصوصاً بعدما تلقت إدارة بايدن حماماً بارداً من المملكة العربية السعودية و«أوبك» لرفضهما زيادة حصص إنتاج النفط.

"... وأشار إلى أن «التفكير في أن الدوحة تفعل ذلك بناءً على طلب واشنطن يمنح إدارة بايدن الكثير من المصداقية» مع ذلك، يُعتقد إلى حد كبير أن الاستثمار القطري الضخم قد يكون خطوة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق".

 مثل هذا التطور، سيكون موضع ترحيب من رئيس الوزراء العراقي الجديد ومن الغرب ودول الخليج العربية المجاورة، وهذا بالطبع ليس قطاعات الإنتاج أما اجتماعيا وسياسياً فستكون استثمارات تراوح بين الطائفية واجتثاث عروبة العراق.

بدورها تركز الإمارات على الموانئ متنافسة مع إيران التي تربط العراق عبر البصرة بسكك حديد.

 

-         الأردن:

إذا كانت بعض الأقطار تُقرأ على أرضية موقعها أو وضعها وقوتها فإن الأردن يُقرأ على دوره، فكلما حصلت توترات أو حرباً في المشرق العربي كلما اتضح أن الأردن منذ وعد بلفور كان وديعة بيد النظام إلى أن يحين ابتلاعه لصالح الكيان الصهيوني، لذا عاش النظام على إشكالات أو مساعدات الإمبريالية ومساعدات من الأنظمة العربية القطرية المضادة للوحدة.

ولذا أيضاً بقي ضد أية وحدة عربية سواء كان فيها أو مهادناً لها، هذا مع أن بنية البلد أو مقوماتها الاقتصادية لا تسمح له بالعيش ولو بدرجة دنيا من الاعتماد على الذات، ولهذا تحديداً كان على النظام أن يؤدي الدور المناط به خير تأدية.

ولعل آخر ما قام به:

·         تمرير ما أوحت به أمريكا أي الهلال الشيعي، أي ضد الشيعة.

·         إقامة غرفة موك في عمان، أي ضد السنة.

·         لجم الحركة الوطنية بأي شكل.

·         والحفاظ على الاعتراف بالكيان واستيراد الطاقة منه/ المنهوبة من أرض فلسطين رغم الإهانات التي يوجهها له العدو.

لعل الحجم الحرج للوضع في الأردن هو:

·         تردي الوضع الاقتصادي لبلد كان يعيش إلى درجة عالية على عدة ريوع من الخارج وليست من موجودات أو الموهوبية الثرواتية للبلد.

·         سيطرة الفساد والمحسوبيات على السلطة من رأسها حتى متوسطي موظفيها.

·         فتح قواعد الجيش للجيش الأمريكي ومنحه حرية مطلقة. 

·         النظام في واد والشعب في آخر.

·         إحكام آلة القمع ضد اي حراك وطني.

 

إن دل هذا المشهد على شيء إنما يدل على أن الأردن لا يمكن أن يتغير وضعه بآليات ذاتية مما يؤكد ارتباط التغيرات فيه بالأقطار المحيطة أي سوريا العراق. وعليه، كلما كان وضعهما متدهوراً كلما تمكن النظام الأردني من التغول في التبعية ومعاداة الشعب.

من هنا يبقى وجوب السير باتجاه تكامل وتوحد الحركة الوطنية في الأردن فلسطين لتكون بداية تطبيقية لاستعادة هذه الحركة عروبيا، وبالمناسبة فكلما اشتد عود المقاومة في الأرض المحتلة كلما ارتفع منسوب النضال الوطني في الأردن.

 

-         السعودية:

إذا كان الخليج محظوظا في كونه بعيداً عن مرمى مشرق الوطن ومغربه وموهوبا بالنفط، فإن السعودية هي الأوفر حظاً بين المحظوظين. فالنظام السعودي انتقل من الحماية البريطانية إلى الأمريكية وبناء على ذلك جرى توظيفه وتخصصه ضد القومية العربية والثورة عالمياً. ومنذ هزيمة 1967 أصبحت السعودية قائدة للوضع الرسمي العربي سواء مباشرة أو لا مباشرة. ومنذ الانقلاب ضد محمد ظاهر شاه في أفغانستان لعبت السعودية دور ممول إرهاب قوى الدين السياسي بالمال والقوة البشرية، إلى أن قادت حرب هذه الإرهاب ضد سوريا واليمن خاصة.

ولعل المهم أنها لم تدفع ثمن كل هذا، بل هي تقفز مؤخراً إلى واجهة قيادة الوضع الرسمي العربي والإقليمي سواء ب:

·         الهدنة مع إيران وإصرارها على المبادرة العربية.

·         تحسين علاقتها بسوريا.

·         استضافة مؤتمر القمة العربي في أيار المقبل.

·         الحظوة بفرصة تسييل نفطها إلى الصين وإقامة علاقات قوية معها توازي علاقتها بأمريكا.

·         توفر فرصة مشاكسة أمريكا دون التعرض لضغط حقيقي أو دون توفر القدرة الأمريكية للاعتداء "التأديبي" على من يشق عصا الطاعة.

·         طمأنة الكيان وأمريكا. 

·         تخفيف إيراني سعودي للإيديولوجيا لصالح المصالح أو تبادلهما

أمام هذا التجهز والتجهيز السعودي للعب دور على الصعيد العربي بديلاً للمطلوب عروبيا وتقدمياً، يغدو من المهم النظر للأمام من قبل حركة التحرر العربية كي تكشف هذا الدور وتبني ما يواجهه بغض النظر عن إمكانيات كل قطر وظروفه.

 

-         اليمن:

هل سيكون اليمن موقع اختبار الهدنة السعودية الإيرانية؟ وهل سيتم تراجع إيراني عن الإيديولوجيا مقابل السياسة؟ وما حدود تأثير إيران على الحوثيين إيديولوجياً؟ فقبيل العدوان كان خطاب اليمنيين عموما عربيا ثم عربيا إسلاميا، واليوم تقريبا إسلامياً! وأين ستكسب إيران إذا قدمت مرونات في اليمن؟ هل سيكون هناك تقاسم أدوار؟

فالسعودية معنية ببقاء يمن ضعيف وفقير وتابع لها، وهي وإن مالت للتهدئة اليوم فذلك لضخامة خسائرها ولأنها تركز الإنفاق على مشاريعها للعشرة أعوام المقبلة. هل ستشتبك السعودية مع الإمارات في اليمن أم هل ستتوافقان على تقاسم الأدوار، وهل سيرضي إيران هذا؟ وماذا عن الجنوب هل سيتم دفع اليمنيين ضد بعضهم جهوياً وطوائفيا، أم سيتم تقسيمه فدرالياً؟ وهل يعتمد هذا على مواصلة كل طرف إقليمي أو دولي دعم طرف يمني مما يقود إلى صعوبة بلورة يمن موحد.

 

أي السؤال الأهم: ما مصير اليمن؟ صحيح أن هناك انسحابا إماراتياً لكنه لم يشمل الجزر التي بها قواعداً للإمارات، ضمن شبكة سياساتها المرفئية والتي تنافس التوجه الإيراني بربط العراق معه بسكك الحديد، هل ستخلي الإمارات هذه القواعد؟ وإن لم تفعل هل سيقوم اليمنيون بمقاومتها؟ وكيف سيكون التخندق؟ بدورها هل ستقبل السعودية بدور شكلي وخاصة تجاه باب المندب، فكيف طبعاً بأمريكا والغرب عامة؟

من هنا فإن مطالب اليمن في فك الحصار ودفع الرواتب لا تكفي إن لم يكن المطلوب وقف الحرب والتعويض. فهل ستدعم إيران مطلب التعويض؟ أم أن السياسة ستغلب الإيديولوجيا؟

 

-         دويلات الخليج:

يقود تحسين العلاقات السعودية الإيرانية إلى تسهيل عودة السعودية إلى لملمة دول الخليج لصالحها، بعد أن واجهت تمردات قطر والمنافسة الإماراتية، سواء بالمشاركة في العدوان ضد اليمن أو في العدوان على سورية.

قد يجوز لنا حتى الآن، وصف الوضع الخليجي بأنه ضمن التقسيم الأمريكي للعمل بين هذه الدويلات، أي ليست سياساتها تجسيدا وتعبيرا عن قرارات سيادية سياسية. فالانفتاح الإماراتي الموسع على سوريا بدأ ولا يزال منضبطاً بالسماح الأمريكي ومقرونا بعلاقات قوية مع الكيان، إلى حد "التوسط" إن جاز التعبير بين المقاومة والكيان. يقابله التمترس القطري ضد سوريا ومواصلة العلاقات القوية مع تركيا، رغم تحسين معظم القطريات علاقاتها بتركيا. وطبعا الحفاظ على تسييل الطاقة للغرب طبقا للمخطط الأمريكي دون أن تدخل في مواقف مضادة لروسيا.

 

أما بقية دول الخليج فتسير في الفلك السعودي وإن بدرجات متفاوتة، حيث تتموضع عمان في موقف أكثر استقلالية من الكويت والبحرين مثلا. لكن يبقى بالنسبة لنا حدود علاقة ودور كامل هذه الأنظمة بالمشروع العروبي، لأن المطلوب واقع عربي خارج نطاق العلاقات الرسمية والهدنات الرسمية هذه.

 

وكأننا أمام رسم مشهد جديد للخليج وكامل الوطن العربي مفاده:

•   تكريس القطرية كبديل ثابت للقومية وليست كما روج كثيرون بأن الدولة القطرية خطوة على طريق الدولة القومية.

•  استبدال الدول العربية العروبية المركزية بدور مركزي للنظام السعودي.

•  تهدئة الصراعات البينية.

•  ضبط العلاقات الاقتصادية بحيث لا تقود إلى خلق قطاعات شعبية لها مصلحة في التكامل فما بالك بالوحدة.

•  ضبط الشارع العربي بحيث لا تكن هناك توجهات قومية.

•  تبريد التحشيد الطائفي والمذهبي وبهذا يكون الوطن مريحاً.

 

-         مصر:

تمثل مصر صورة فعلية للواقع العربي سواء في نهوضه أو انحطاطه، ولعل أحد جوانب هذا التمثيل والأكثر دقة هو غياب مأسسة الدولة أو ما تسمى الدولة العميقة، التي مهما حصلت تغيرات واختلالات على السطح تبقى هي قابضة على مقود البلد في مواجهة تغيرات في البنية الأساسية ومن ثم الدور. وإذا كانت فترة عبد الناصر قد أرست مفهوما ودورا لمصر يليق بها ويؤكد دورها العروبي، فلماذا تمكن السادات من نسف كل شيء، وكان مبارك مثابة تأكيد لدور السادات، ولم يختلف السيسي عنهما؟ وإذا كان هذا حال مصر، فماذا إذن عن بقية القطريات العربية والتي على العموم تشرحها الأشهر الأخيرة:

فمن ناتو عربي إلى قمة النقب، إلى قمة العقبة إلى قمة شرم الشيخ، ومن ثم إلى انفتاح على سوريا وانفتاح على الصين. فهل هذه التغيرات الدرامية مثابة "ثورية" كامنة وتجلت في هذه الأنظمة، أم هي تأكيد أن الدولة بالمعنى العميق غائبة في هذه القطريات؟

 

لقد وصل النهج ما بعد العروبي، أي ما بعد الناصري، بمصر إلى ما هي عليه الآن تستجدي القروض من صندوق النقد، وتتوسل إلى السعودية لتقديم ضمانات قروض مع العلم بأن السعودية أول من يُصرَّ على هبوط مصر، وتغازل الإمارات على حساب قطر، وتحسب كلامها مع سوريا بالحرف وتتوسط بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني.

قبل فترة وجيزة كانت مصر ضمن طاردي الصين من إفريقيا، وها هي تتخطى الخط الأحمر الامريكي بتقييد الاستثمارات الصينية في مصر، وتوقع في أسبوع واحد ما قيمته ٧ مليار دولار استثمارات صينية مباشرة، وهو رقم لم تصل إليه مصر حتى في استثمارات قطاع البترول. وهل هذا ما دفع صندوق النقد والبنك الدوليين لتمرير قرض لمصر قيمته ٧ مليار دولار. ومع ذلك يبقى السؤال، أين ستُصرف حصة الدولة/ حصة البلد من هذه الأموال؟ هل على سداد القروض وفوائدها وما سيبقى هل سيذهب إلى المدن الجديدة/ أهرامات القرن الواحد والعشرين؟

 

لا نستطيع أن نقول لا للدائنين في نادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وللمستثمرين الأجانب من شركات متعددة الجنسية ووكلائهم المحليين، ولا نستطيع أن نحمى صناعاتنا الوطنية أو نرفض بيع القطاع العام أو تعويم العملة المصرية وربطها بالدولار.

والسؤال: من يحاسب؟

 

-         قطر أم امريكا والإخوان؟

تجسد قطر جوهر التحالف بين الإمبريالية الأمريكية وقوى الدين السياسي وخاصة الإخوان. ولذا، فمختلف السياسات القطرية والتي تبدو بأضخم من حجمها الجغرافي والبشري ليست من بِنات قدرات سلطاتها. قطر هي الوحيدة التي أبقت على علاقتها بالعراق إثر استعادة الكويت، وهي التي بثت سقوط بغداد 2003 قبل سقوطها ولاحقا سقوط طرابلس، وهي التي عاندت السعودية لسنوات وهي التي وقفت دوما وتماما ضد سوريا وحتى الآن، وهي التي ساهمت في إعمار لبنان بعد عدوان الكيان وهي التي تتوسط اليوم بين حماس والكيان للجم الاشتباكات! أي هي أكثر من يطبق:

•  سياسات الولايات المتحدة.

•  وتعاليم قوى الدين السياسي ضد العروبة مع تطبيع حقيقي وغير معلن مع الكيان.

•  وهي التي تخصي المثقفين العرب بشكل منهجي.

صحيح أن مواقف الأنظمة العربية لم تتغير ولن تتغير إلا نسبياً مع التطور البطيء ممثلا في صعود قطبيات أخرى في العالم، ومع ذلك ستكون قطر أقل وآخر من يتغير أو يُغير.

 

-         السودان فوق صفيح ساخن:

 تتنازع السودان الكثير من التناقضات المرشحة للتفجر، فهذا البلد الشاسع يعاني الأمرين في تدبير معاش مواطنيه، والأخيرون يعانون الأمرين من أجل تسديد فاتورة إثراء طبقة محدودة العدد من مواطنيه تتحكم في الطعام والدواء والسفر والكساء وجميع الخدمات. تؤكد بعض التقارير الصحفية أن معدلات نمو الثروات الخاصة تجاوزت خمسمئة بالمئة في العام الواحد، وأصبحت المشاريع العقارية الضخمة ظاهرة ملحوظة حتى في الحواضر الصغيرة والنائية، وباتت الطبقات الثرية من تجار وأصحاب شركات الاستيراد والمخازن والموزعين الإقليميين تملك مشروعات عقارية أكثر بكثير من أي وقت مضى، حتى عن فترة الوفرة النفطية بين منتصف التسعينيات إلى عام 2012. وتعزى تلك الظاهرة بالأساس إلى تحول الدولة إلى النمط الجبائي الصرف، وقد تركت عنان السوق بيد القطاع الخاص الذي انطلق في خم الأرباح بسعار محموم وكأن العالم ينتهي غدا.

 

نعيد ونكرر ذلك التقديم لأنه جميع ما تلا ذلك من انشطارات أفقية ورأسية في التجارب المماثلة في البلقان وغيرها إنما عن ذلك الإثم قد تفرع، انسحاب الدولة اقتصاديا وبالتالي كشف الغطاء الجامع والإيذان باحتماء الأفراد والجماعات برداء القبلية والعشائرية بحثا عن قدر من الضمان الاجتماعي والأمن. وهذا المنحدر بالذات هو ما يعوق تخلق هوية جامعة لهذ البلد الذي بالكاد بدأت الطرق بين أقاليمه تستقيم قبل أقل من خمسة عشر عاما، وها هي ضغوط الولايات المتحدة لتحرير الاقتصاد تنسف تطور تلك الهوية عبر رفع يد الدولة اقتصاديا واجتماعيا ومن ثم تسليم الناس لانتماءاتهم العرقية، حيث وكما حدث في جميع البلدان التي تتكون من قبليات وعشائر غير مندمجة تمام الاندماج، تقود حالة انفلات السوق إلى صراع على الموارد والأراضي والثروات الفعلية والمحتملة ويتحفز كل قبيل لضمان أكبر قدر منها. بالطبع بيئة كهذه تكون أرضا خصبة للتأثيرات الخارجية من إدخال السلاح إلى التحريض ونشر الشائعات وغيرها، وكل ما من شأنه تفجير الأوضاع ونسف السلم الاجتماعي، أي الشرط الأساسي لتطور هوية جامعة مقنعة تضمن وحدة البلد واستمراره وتقدمه.

 

بين عامي 2003 و2007 نشأت وتطورت ظاهرة الجنجويد في غرب السودان بين شمال وجنوب وغرب إقليم دارفور، وتتكون من عشائر تنتمي غالبيتها لقبيلة الرزيقات الممتدة حدوديا عبر السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى. وهي قبلية تحترف الرعي بعضها يرعى في سافانا فقيرة وشبه متوسطة وهم الأبالة (رعاة الإبل)، وبعضهم بقارة يرعون البقر في حزام عشبي أكثر غنى وأوفر مياها، والكثيرون منهم يعملون في تجارة الإبل والبقر. لعبت ظاهرة التصحر التي ضربت المنطقة منذ الستينيات والسبعينيات دورا جوهريا في تفجر النزاع بينها وبين قبائل الفور المزارعين من مساليت وغيرهم، وحسب تحليل المفكر المصري الراحل الأستاذ عيداروس القصير في تحليله لأزمة دارفور فإن النشاط الرعوي يحظى بأولوية الاهتمام من الدولة بحكم أنه الأكثر تصديرا وتسديدا للضرائب وجلبا للعملة الصعبة، مقارنة بالنشاط الزراعي الذي بالكاد يكفي مواطني الإقليم ولا تكاد الدولة تحصل عنه شيئا. ومهما قيل من تبريرات عرقية وعنصرية حول عروبة الرعاة وزنوجة المزارعين تبقى تلك مجرد تمظهرات للصراع الاقتصادي، حيث حددت الدولة انحيازها للرعاة على حساب المزارعين. يحب البعض أن يضيف إلى ذلك الانتشار الجيد والمعقول لإيديولوجية الحركة الإسلامية بين المجتمعات في شمال دارفور عنها في الجنوب والغرب مثلا، إلا أن هذا البعد صعب التعويل عليه نظرا لما أثبتته الحوادث من تبلبل الولاء عند منتمي المدرسة الإخوانية، ممثلا في شخصية الراحل دكتور خليل إبراهيم ابن قبيلة الزغاوة المنتشرة بين السودان وتشاد، الذي كان ابنا للحركة الإسلامية وأحد أبرز قادتها العسكريين فترة الحرب الأهلية، إلا أنه تمرد على حكم البشير مرددا أن الحركة الإسلامية قد تخلت عن مسؤولياتها بعد وصولها إلي السلطة وأن النخبة الشمالية تسيطر علي جميع المناصب في الدولة، فيما شعوب أطراف السودان تعاني التهميش.

 

إذا فإن الحركة الإسلامية مدت يد التحالف فيما بعد إلى قادة آخرين من الرزيقات رغم كونهم غير محسوبين على تيار الإسلام السياسي، أبرزهم موسى هلال من عشيرة الماهرية وحمدان دقلو من المحاميد وكانا على رأس قوات الجنجويد، أي راكبي الجياد والمسلحين من قبل الدولة. بعد عام 2008 بدأ البشير في تنظيم الجنجويد في قوات شبه نظامية وبدأ إمدادهم بالعربات والمدافع الرشاشة، الثقيلة وبعيد انفصال الجنوب 2011 وفقدان البلاد لـ 75% من دخل النفط أصبح الوضع الاقتصادي في غاية الصعوبة، خصوصا لتوفير رواتب تلك القوات القائمة على التجنيد الطوعي. انكشفت في 2012 منطقة جبل عامر عن مناطق غنية بخام الذهب وسرعان ما شرع موسي هلال في الاستيلاء على امتيازات تنقيب، وشرع حمدان دقلو هو الآخر في بسط نفوذه. وحدث التصادم الذي انحازت فيه الخرطوم إلى دقلو وزودته بالمدرعات المملوكة للجيش لإنهاء الصراع والقبض على موسي هلال، ومن ثم منحته الخرطوم حقا شبه حصري في ذهب جبل عامر وهو الأمر الذي خلق ظاهرة حميدتي التجارية ودفعت طموحه السياسي إلي عنان السماء. يتمتع حميدتي (الاسم هو تدليل محمد ويقال للطفل الصغير وقد أطلق على حمدان دقلو بسبب ملامحه الطفولية) بذكاء فطري رغم تواضع تعليمه النظامي مكنه من الصعود السريع. فيما بعد طالبت القوات المسلحة باسترداد المدرعات التي أعارها البشير لقوات الدعم السريع إلا أن حميدتي ماطل في ذلك ولم يعدها أبدا، وهو الآن يقوم بحشدها في الخرطوم كنوع من استعراض القوة أمام قيادة الجيش النظامي.

 

خلفية الوضع الحالي هي تعثر التوقيع على ما يسمى بالاتفاق الإطاري بقيادة قوى الحرية والتغيير، رغم عدم اعتراف الشرق والبجوات به ولا قوات حركة مؤثرة وكبيرة مثل جيش تحرير السودان في دارفور. إلا أن الإعلام الغربي والعربي التابع روج لهذا الاتفاق باعتباره نهاية الوجع الانتقالي وبداية تشكيل حكومة وتسيير الدولة وفق أوضاع عادية.

كعادة الأزمات التي يدير الغرب دفة تسويتها يتغلب السياسي على الاقتصادي وتسود رؤى مهومة حول المستقبل تملأ الفراغات بالوعظ الفارغ عن التسامح والمساواة، والبدء من جديد وكأن التاريخ هو حقل ثقافي يمكن تفسيره وتحريكه بمجرد تغيير القناعات عند بعض الأفراد وتطييب خاطر هذا أو ذاك، ولهذا فإن تلك التسويات غالبا ما تتعثر ولا تنحل عقدتها إلا بالانشطارات والانفصالات الجغرافية، وهو المراد الحقيقي للإمبريالية التي ترعى وتقود وتخلق المناخ لتحصد ما تريد.

 

إبان الانتفاضة في 2018 و2019 رفضت قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي التصدي للمتظاهرين حسب قوله واكتفي بالتأمين، مدعيا وقوفه إلى جانب مطالب الشارع بالديمقراطية والحكم المدني. ذهبت المناقشة مع الرعاة الغربية في كل اتجاه فيما تركت مسألة دمج الدعم السريع في القوات النظامية لتوحيد القوات المسلحة لذيل الجدول، فتركت وقتا طويلا ليحشد الدعم السريع دعما إقليميا ماليا وعسكريا كبيرا جدا ليكون قوة موازية للجيش النظامي. حيث تلقت مؤخرا أسلحة مضادة للطائرات لأول مرة في تاريخها فضلا عن تمويل ضخم لضم الآلاف من المقاتلين الجدد وشراء مئات عربات اللاند كروزر. وهكذا عندما حانت لحظة الحديث عن مستقبل الدعم السريع تفاجأ الجميع بأن الدعم السريع يحشد في الخرطوم قوات كبيرة ليظهر بمظهر القوات المنظمة القادرة على حفظ الأمن، والتي لا تقل عسكرة وحرفية عن الجيش النظامي. وهذا التطور الكبير لم يكن بعيدا عن التوجيه الغربي الذي يسعى إلى إضعاف المركز السياسي للدولة لتسهيل انفصال الشرق الذي أصبح يمارس نوعا من الحكم الذاتي، مع نصيب وافر من دخل الدولة على طريقة إقليم كردستان المدلل دون ضمانات محاسبية ولا مسؤولية واضحة أمام المركز.

 

 يسعي الآن حميدتي للقفز على السلطة عبر انقلاب عسكري لا يستبعد أن يكون دمويا. توجه مئات من مقاتليه دون تفويض من القيادة العامة للجيش إلى قاعدة مروي الجوية شمال البلاد ليتمركزو في منطقة تم شراؤها وتهيئتها قبل شهور، ما يكشف تبييت النية على فرض السيطرة أو على الأقل تحييد القوة الجوية عن ساحة الصراع حال تفجره في المركز (الخرطوم). وهنا يبرز دور كتائب المثقفين الممولة غربيا والذين بدأوا في ملء الفضاء الإلكتروني والصحافي بتبريرات لتحركات قوات حميدتي، بأنها تطهر البلاد من القواعد الأجنبية (نظرا لوجود قوات جوية مصرية تمارس تدريبات مشتركة مع القوات السودانية من قاعدة مروي). وهكذا تتكامل الأدوار ويظهر دور الغرب من خلال أدواته الكثيرة وبالخصوص مثقفي وسط البلد، وسقط اليسار المناضلين بأجر من فريدريش أيبرت إلى الوقف الديمقراطي الأمريكي، مع شحن مستمر ضد المؤسسة العسكرية باعتبارها الشر المطلق والتناقض الرئيسي العائق لحركة التاريخ في السودان. وبغض النظر عن رجعية القيادات العسكرية وطبيعتها المشوشة والقابلة للتنازل والتطبيع، إلا أن بقاء المؤسسة العسكرية وتماسكها يظلان العاصم الوحيد من انفجار يأخذ أطراف السودان إلى أشلاء مترامية ويطيح بالسلام الاجتماعي ربما لعقود، ويشظي الأرض إلى دويلات متحاربة تستقوي على بعضها البعض بالتحالفات مع الكيان الصهيوني أو الإمبريالية الغربية. وهو ما يجعل طريق مصر إلى منابع النيل أبعد بكثير من قدرتها على الاحتواء ويديم تبعيتها لقرار أديس أبابا، ويحكم على دلتاها وواديها بمصير دلتا الفرات ودجلة. فضلا عن تفجير آخر نطاقات جغرافيا السودان التي بقيت على مر الزمن موئل الباحثين عن السلام والابتعاد عن نطاق الصراعات.

 

تصر قيادة الجيش على الدمج السريع للقوات غير النظامية في حدود عامين في حين يطالب حميدتي بأن تمتد الفترة إلى عشر سنوات، كما يطالب بالسماح لقواته بإنشاء قاعدة جوية في المنطقة بين الحدود مع مصر وليبيا، لماذا وتحت أي تصور؟ إذا كان هناك حديث عن توحيد الجيش وإنهاء التنظيمات المسلحة غير النظامية فما معنى إنشاء قاعدة جوية للدعم السريع؟ وماذا يتبقى من السيادة للجيش الوطني؟ تدعي الرباعية الدولية الممثلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكل من السعودية والإمارات البحث عن حل لتنفيذ توقيع الاتفاق الإطاري، الذي أعلن أركو مناوي قائد جيش تحرير السودان في دارفور وحاكم الإقليم الحالي رفضه له، ودعوته لقواته بالتجمهر في شوارع العاصمة لرفض الاتفاق.

 

لماذا تحتاج ميليشيا الدعم السريع كل ذلك الزمن؟ وخصوصا بعد تحصلها على مضادات الطائرات بمساعدة الإمارات فما الذي تريده الإمارات؟ هل هو تسهيل وتسريع إيقاع انفصال الشرق لتحصل على امتيازات في الأراضي بالشراء أو الإيجار تسمح بخلق مستعمرة لها تكون فرعا لدولة الإمارات في إفريقيا تعوضها عن حلم الوصول إلى نهر الجانج الباكستاني؟ هل هي خدمات تقدمها عربون صداقة للكيان الصهيوني الراغب بشدة في تمزيق ظهر مصر وقطع شريان النيل وجعله موضوع مساومة، وقطع طريق تطور السودان إلى وطن له هوية جامعة تحسبا للمستقبل؟ وضمن خطته جعل المنطقة من حوله كيانات عرقية ومذهبية صغيرة لا تشكل تحديا له أو قاعدة لدعم النضال الفلسطيني؟

 

دخلت السعودية على الخط عبر استخدامها الدعم السريع كقوات حرس حدود مع اليمن وفي مناطق متاخمة بين شمال اليمن وجنوبه منذ عام 2020، مع ما وفره ذلك النشاط من مدخول ضخم لتلك الهيئة العسكرية المالية الممثلة في قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. هل كان خافيا على السعودية ما يقود إليه ذلك من تضخيم وضعية الدعم السريع الإقليمية ودفعه لطموحات قائده السياسية؟ هل تناكف السعودية مصر وتنتقم للماطلة في تسليم جزيرتي تيران وصنافير بنقل مربع النزاع العسكري إلى المنطقة المحرمة في شمال السودان الذي يشكل العمق الاستراتيجي الأخطر والأهم لأمن مصر القومي؟ فماذا يفيد السودان من وقوع شعبه ضحية استخدام الميليشيات من قبل الكيانات الخليجية في تهديد مصر أو غيرها بتحويل أرض الشمالية إلى ساحة مستباحة؟ هل يقع إثراء الدعم السريع وتحويله إلى مؤسسة دولية النشاط ضمن جهود الوساطة السعودية لحل أزمة الانتقال في السودان؟ هذا السؤال الأخير يقع على عاتق المروجين لارتكاريا التدخل المصري من الإعلاميين والمثقفين السودانيين وعليهم أن يجيبونا كيف تقبلو وصمتو عن قيام الدعم السريع بتقديم خدمات عسكرية في السعودية، دون موافقة جهاز الدولة السودانية التي يحلو لهم كثيرا التمسح والتنطع بسيادتها وحياديتها كلما ظهر وجه مصر أو روسيا في أي موضع، رغم أن الدولتين تتبعان دوما الطرق الرسمية وتتعاملان مع جهاز الدولة السودانية التي نسي الكثيرون أن الجيش منذ الاطاحة بالنظام في 2019 هو ممثلها الوحيد طبيعيا ودستوريا، بفعل الشحن المستمر ضد المؤسسة أصبح على الجيش أن يبرر تحركاته ونشاطاته وكأنه قوة احتلال أجنبية.

 

تحاول الجزيرة والصحفيون المرتبطون بالمال الخليجي عادة إثارة النعرات ضد مصر، وخلط الأمور فيصبح تواجد الدعم السريع في مروي مشفوعا بتحريرها من الاحتلال المصري. فهل يعتقد هؤلاء أن ممارسة الجيش السوداني للسيادة عبر اتفاقيات التدريب المشترك مع مصر نوعا من التدخل في شؤون السودان؟ يقولون هذا وهم. يجلسون في حضرة أعداد لا تحصى من الوسطاء والرعاة الغربيين والسعوديين والإماراتيين فيما يقتصر دور مصر على مشاورات يجريها مسؤولون معها من وقت لآخر. فما هو المطلوب من القوى التي تقف وراء تدمير أخر مظاهر وجود الدولة السودانية عبر خلق جيش مواز، وعلى ماذا راهن عبد الفتاح البرهان عندما وافق للدعم السريع على عمل إنشاءات حول قادة مروي الجوية أو بتسليم شحنات الأسلحة القادمة لهم من الإمارات؟ هل لا يمكن للعين أن تخطئ أن تحركات الدعم السريع تقنيا ودون مواربة هي عملية انقلاب عسكري مدعومة ومسلحة من قبل أعضاء في الرباعية الدولية، التي يركن المعارضون إليها باطمئنان شديد؟

 

 أما السؤال الذي يبذل النشطاء أبناء المنطمات الممولة كل جهدهم لكيلا يقرع عقول العامة من السودانيين فهو: ما هو مستقبل الديمقراطية وتداول السلطة في السودان في حال تفوق حميدتي وحسم الأمر لصالحه سواء بانقلاب أو عبر صندوق انتخاب وشراء أصوات وولاءات كما يفعل حاليا بكل الوفرة المالية التي تحت يديه؟ ماذا عن وحدة أراضي الدولة ووحدة جهاز الدولة؟ هل هي ثمن مستعدون للتضحية به من أجل مدنية الحكومة؟ هل إلى هذه الدرجة أصبحت المدنية نوعا من الهوس المقدس الذي يمكن تمرير أي مصيبة من خلاله؟

هذا جزء من الأسئلة المغيبة دوما في المفاوضات والبرامج والتسويات التي يرعاها الغربيون عموما في القرن الأفريقي، إنهم يخلقون عبر الإعلام والببغاوات الموالين لهم مناخا يحصر تصور الحلول في التراضي والتوافق والمحاصصة، والتي تتم دائما على حساب قوى مهمشة خفيضة الصوت سرعان ما تقلب الطاولة لاحقا بعد أن يكون الجميع قد خطو بعيدا في الطريق الذي يريده الغرب. بدأ هذا المسار حتى قبل رحيل البشير، منذ إقامة وزير ماليته لقرابة الشهر في واشنطن يفاوض الأمريكيين من أجل رفع العقوبات، فاضطروه إلى رفع دعم الخبز فانهارت الأرض تحت أقدام النظام خلال أسابيع. يتصور السياسيون أن ما أسقط البشير ونظامه هو فقط توق الشعب للحرية وسأمه من حكم العسكر والدكتاتورية هكذا تحب النخب الليبراليون ويسار الاستعمار تصوير الأمور بهذه الدرجة من السطحية، متناسين أن جميع الانتفاضات خرجت في أعاقب اختفاء الخبز ومقومات الحياة اليومية، لم تندلع مظاهرة واحدة عندما أعدم نظام الإنقاذ عشرات الضباط عام 2001 ولا حين قتل عشرات الأطفال المشردين في معسكر العيلفون. بل إن أقل فترات النظم دموية وأقلها تشددا هي التي شهدت انتفاضات عارمة. الطعام ومقومات الحياة هي ما تدفع الجماهير إلى الشوارع، وهي من تدفعهم اليوم إلى التخندق وراء القبيلة والعشيرة والإقليم. ليست المسألة في إقناع المتحاربين بأن (الجريمة لا تفيد) على طريقة البرامج التلفزيونية الساذجة وحيث يصور الغرب الأمور عبر نشطائه، هناك معطيات مادية ملموسة تخلق المسار الذي تنحدر عليه الأوضاع ولا نجاة إلا بتغيير المسار كليا، بمعالجة أصولها المتلازمة وأركانها.

 

تهوم النخب حول العدالة الانتقالية وعشرات القضايا الفرعية التي لا تشغل المواطن البسيط والتي لا تعصم الوطن من الانشطار، فهل سيوقف إعدام عمر البشير مثلا مسار انفصال الشرق؟ هل ستوقف محاكمة قيادات الشرطة والجيش المسير المرعب الذي تتحرك فيه البلاد الآن؟ المؤسف والمحزن هو تكرار سيناريو الإنهاك ذاته الذي تكرر في مصر وتونس وفي العراق خلال عام 2022، والذي شهد انتفاضة عارمة في العراق وحلا للبرلمان لكن عن ماذا تمخض كل ذلك؟ مجرد إعادة انتخابات وفضح بعض أطراف العملية السياسية ووعود بوقف قطار الفساد؟ وماذا بعد؟ في حالة السودان الوضع خطير للغاية بسبب الحساسيات التاريخية بين الأقاليم والغبن الذي يظن كل إقليم أنه من نصيبه وحده، وهذا السلاح الكثير بيد المرتزقة والذي تحول بفعل أطراف الرباعية الدولية أنفسهم إلى دولة داخل الدولة.

 

يضع قائد الجيش شرطا واحدا لتفادي التعثر واستكمال الاتفاق يتضمن دمج الدعم السريع خلال عامين في القوات النظامية، فيما يضع حميدتي خمسة شروط من بينها إقالة وزير الداخلية وإقامة قاعدة جوية عسكرية له على الحدود المصرية الليبية، فترى من يحكم السودان اليوم؟ لا يبدو الحديث عن المناورات المشتركة بين الجيشين المصري والسوداني سوى نوعا من التعتيم والتضليل حول جوهر تحركات الدعم السريع، وحجرا يلقى من جانب السعودية والإمارات ضد مصر التي تمانع تسليم جزيرتي تيران وصنافير وتماطل في تصفية أصول الدولة المصرية وتمليكها لرأس المال الإماراتي، الذي اعتاد الكسب الخرافي والسريع من بيع مقومات الصناعة الكبري والموانئ فيها.

 

أصبح السودان الآن حقل ألغام وأصبحت العملية السياسية حبلا يرخى لكي تشده الأطراف الواقفة خلفها عند اللزوم، فهل تتصدى على الأقل الأحزاب التاريخية والجيران الحريصون على مصلحة السودان لرأب الصدع والقيام على مسار أكثر عدالة للإنسان البسيط وأقرب إلى التحقق والاستمرار من الاتفاقات والمواثيق التي تصنعها الرباعية الدولية على عجل لتحقيق مأرب خاصة لا تحسب حسابا لوجود السودان من عدمه، اتفاقات الترضيات والمحاصصة التي تعمق الشقوق وتكرس الأطماع وتهدر سلطة مركز الدولة وتبيع البشر للأكثر عتادا ومالا؟ ألم يكن ذلك المسار هو ذاته الذي رعته أمريكا والأمم المتحدة خلال الفترة من 2004 إلى 2012؟ ألم تكن توصياتهم بتقاسم السلطة قد أوجدت فوضى حتى إن جهاز الدولة انتفخ بوزارات ما أنزل الله بها من سلطان، ثم لم تقد في النهاية إلا إلى تشجيع من خرج من القسمة بلا منصب على ترس السلاح والزحف لانتزاع حصته؟ كما أذاقت من حاصصوا طعم أبهاء السلطة والمرور عبر بوابات صالات كبار الزوار في المطارات ليتحولوا من مجرد شركاء في السلطة إلى قادة دول كاملين؟  ألم توزع ريع البترول يمينا وشمالا تحت أقل شروط المراقبة ما فتح شهية الشريف والفاسد لإعلان المزيد من التمرد ليلحق ما فاته؟

 

ماذا عن فتح الباب للصهيوني للدخول والخروج؟ ترافقت أولى زيارات وزير خارجية الكيان للسودان بتدشين حملة إنترنيتية للتحريض على مصر لم يسبق لها مثيل، وتدشين عشرات المواقع التي تنشر الأكاذيب حول أصول المصريين بما ملخصه أطردوهم من وادي النيل فهم حثالة من الغرباء. هذا دون تطبيع على مستويات شعبية أو ثقافية، فأين يذهب السودان بعلاقة جيدة مع الصهيوني ودعاية للحرب مع مصر؟ تصوروا كادت تندلع حرب شعبية بين مصر والسودان ألقت بظلالها على مباراة كرة قدم تتناثر التهديدات بمذبحة للمصريين في الخرطوم، هذا فقط في أعطاف زيارة فماذا بعد فتح سفارة وتبادل سفراء؟ وهل ينفصل التحرك والهرولة نحو التطبيع عن الانهيار الماثل على كل الأصعدة في السودان؟ إنها سلة واحدة فسودان ضعيف ممزق هو الهدف، حسب الوثيقة التي نشرها الدكتور محمد سيف الدولة مطلع عام 2020، لم يكن أبدا التطبيع من أجل إنقاذ السودان من العقوبات، لم يشفع له التطبيع فقد صوتت أمريكا والإمارات على تمديد العقوبات على السودان. التطبيع هو من وجهة الكيان الصهيوني استحقاق منتزع لتثبيت كيانهم الهش والنيل من عزيمة المقاوم الفلسطيني بتجريده من عمقه العربي الداعم، وتخريب معنوياته وثقته في تحقيق الانتصار. إنه ضرورة ملحة لتدمير الحواضر العربية من حولهم وحتى محاصرتها بعد تدميرها بمحيط إفريقي وأسيوي مدمر وممزق، ولم يأت التطبيع للسودان بخير علي أي صعيد. ثم هل كان السودان منخرطا هكذا في الصراع مع الكيان الصهيوني ليدعي أيا كان بأن أزماته نتجت من معاداة الكيان وتكاليفها الباهظة؟ لنكن واقعيين لم يكن السودان دولة مواجهة كان ضمن المحيط الداعم للقضية، لكنه في أي مرحلة من الصراع لم يدفع كلفة بشرية أو مالية أو تنموية تذكر بحال، لكنه كان بحال أفضل عندما كان يقوم بدوره كمحيط داعم للقضية. لم يكن على الأقل مسرحا مفتوحا لنشاط الموساد، كان أكثر تماسكا داخليا وأقل توترا على حدوده وأقل فقرا وعوزا، هذا ما يجب ألا ينساه أحد. إن النشاط الهدام للرباعية الدولية التي تقدم إعلاميا ومن قبل النخب السودانية كرسول سلام وصانع استقرار في السودان، هي ذاتها التي تسببت في تطور الخطر إلى ما هو عليه الآن، وهي التي ساقت في اتجاه التطبيع بلي الذراع. فمخطئ من يعتقد أن الحراك السياسي والعسكري لدول الخليج ليس جزءا من استراتيجية الإمبريالية الأمريكية وذراعها إسرائيل للشعوب العربية والإفريقية.

 

بالأخير كما يقول المثل الشعبي هذا الجمل وذاك الجمال، فإذا كانت الاتفاقات التي تولد اتفاقات بعد اتفاقات قد قادت السودان ليصبح الشعب وقد وجد نفسه رهينة لجيش قطاع "خاص"، خلقته توجهات الإخوان المسلمين النيوليبرالية المنحطة ونمى من تدخلات ودعم التابع الخليجي والأصيل الأوروبي؛ فإن توزيع اختصاصات الدولة وأدوار الدولة وريع الدولة على طبقة من الوسطاء والمندوبين والمسلحين، الريع الذي يتأتى من تقاسم الربح مع طبقة التجار ورجال الأعمال، ذلك الربح المقتطع على حساب الغالبية الشعبية هو معادلة دائرة مغلقة ما أن تنتهي حتى تبدأ من جديد.

 

-         ليبيا المسرح التجريبي أو التطبيقي لمواصلة تدمير الوطن الكبير:

تجمع ليبيا بين مأساة الجمهوريات العربية وبين تدميرها، وبين إسقاط ديمقراطية الإمبريالية عليها وتنصيب قوى الدين السياسي، وبين اقتتال أمراء الحرب كمناكفة الدِيكة تحت جناحي الرخ الإمبريالي الغربي أو الناتو. وبمقدار ما أن ليبيا اليوم دمية بيد الغرب، إلا أنها جثة لم يعد التخلص منها سهلاً. فبعد تدمير البلد والاغتيال الوضيع للعقيد القذافي ونهب أرصدة وثروات ليبيا الجارية لم تعد الإمبريالية قادرة على تنصيب من تضمن بقائهم في السلطة عبر ديمقراطية الإمبريالية، ولا تضمن حتى تحالفهم مع بعضهم مخافة أن يبرز لها الشيطان القذافي مجدداً.

 

لذا جرى تأجيل الانتخابات منذ أكثر من عام ويتم الآن الإعداد لقانون انتخابي جديد، يسمح بمنع من لا ترغب بهم أمريكا وخاصة سيف الإسلام القذافي.

لذا تتلخص أزمة ليبيا في:

•   عجز الإمبريالية بممثلها الشكلي الأمم المتحدة عن إجراء انتخابات مضمونة في ليبيا بعكس العراق، ففي العراق جرى اجتثاث البعث واجتثاث العروبة وتنصيب نظام تحميه طائفيته عبر إيران، بينما في ليبيا لا يوجد من يضمن وصول أدوات الغرب لأن اجتثاث الطرف العروبي لم يحصل كما يجب.

•  وبالتالي العجز عن تجديد البوابات الليبية كما كان الأمر في عهد القذافي، لمنع المهاجرين/ المغامرين الأفارقة من التدفق إلى القارة العجوز والشبقة معاً، ومنع الإرهابيين من التدفق إلى الصحراء الإفريقية.

مخطئ من يعتقد أن الغرب الإمبريالي نادم على مذابحه وتدمير أي بلد عربي أو غير عربي، بل ما يقلق الغرب هو توليد أنظمة ضامنة لمصالحه.

هل هذا لأن بقايا الرفض العربي موجودة ولم يحصل اقتلاعها التام؟ لا ندري.

 

-         المغرب:

لو صح تحديد رباعي تطويق الوطن الكبير: تركيا من الشمال الشرقي والنظام السعودي في الجنوب والكيان في الوسط ونظام المخزن في الغرب. وسواء كان هناك تنسيق مباشر أو غير مباشر بين أطرف هذا الرباعي، فإنها جميعاً لم تغير تموضعها ضد العروبة. لذا جرى انسحاب الاحتلال الفرنسي من المغرب بعد أن ضمن تنصيب نظام له مصلحة في عدم التحرر والوحدة مع الجزائر، بل مناصبتها العداء. فلا يمكن تصالح نظام التنصيب مع نظام التحرير ولا مع العروبة. ولعل ما رشح من السلطات الفرنسية عن دور الحسن الثاني في تخصيص غرفة للموساد للاطلاع عياناً على مؤتمر القمة العربي يبين أن مهمة هذا النظام، هي الإجهاز على الأمة وليس فقط العداء للثورة الجزائرية ونظامها لاحقاً.

 

وإذا كان الكيان الصهيوني يشكل خطراً أكثر على الأنظمة المحيطة بالأرض المحتلة، الأمر الذي يزعم حكام هذه الأنظمة أن ذلك الخطر دفعها لمهادنة أو التطبيع مع الكيان، فإن هذا لا ينطبق على المغرب لا من حيث الجغرافيا ولا من حيث وجود موقف وطني ولا عروبي لنظام العمالة والتبعية. وبالطبع تتضح الصورة بتطبيع هذا النظام مع الكيان، وتمكينه من بناء قواعد عسكرية في المغرب موجهة ضد الجزائر وتغلغل الكيان في الاقتصاد المغربي وتغلغل الكيان في الاقتصاد المغربي، آخر ما أعلن عن ذلك إدخال أربع شركات للعدو الصهيوني إلى الصحراء الغربية ناشئة في مجال تكنولوجيا الأغذية بقيادة شركة «Halman Aldubi Technologies» لإنتاج طعام موجه إلى الأسماك عالي البروتين انطلاقا من النفايات العضوية والحشرات، علاوة على الاعتداء القمعي ضد رافضي التطبيع. كيف لا والنظام المغربي هو من تجرأ على التمسك بزرع الكيان الصهيوني في منظمة الاتحاد الإفريقي، لولا جدار الصد الذي شكلته الجزائر وجنوب أفريقيا مما أدى إلى طرد الكيان الصهيوني من منظمة الاتحاد الإفريقي وسحب صفة “العضو المراقب” منه في فبراير 2022، وأعيدت الكرة ثانية في فبراير 2023 عندما تم طرد وفد الكيان من القمة الأفريقية الـ36، وكان مرة أخرى للجزائر وجنوب أفريقيا شرف هذا الموقف.

 

يعترض النظام الحاكم في المغرب على إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، ويشترط لذلك مقايضة قبوله بانتزاع موقف من سورية حول الصحراء الغربية، وهو في ذلك منسجم مع طبيعته اللاوطنية والضد عروبية؛ فقد قايض سبتة ومليلية وباقي الجزر المستعمرة من الإسبان، مقابل اعتراف حكومة هذا البلد بإبقاء الصحراء الغربية ضمن سيطرة الدولة المغربية.

 

-         الجزائر:

يدخل النظام الجديد في الجزائر في السياسة العربية والدولية بشكل حذر ودقيق، وقد يرتد هذا إلى السمات الطبقية للسلطة الحاكمة من جهة ولدرايتها بدرجة الاستهداف التي تتركز ضدها. وهنا يمكن تلمُّس المسافة بين مواقف السلطة وبين ما أراده الشارع الجزائري من رفض التجديد لبوتفليقة وذهابه إلى الانتخابات بدون ذلك الميراث. ويبدو أن السلطة الحالية تقف في برزخ بين التفاعل مع التوجه الشعبي الجزائري، وبين المحدودية التي تُفرض عليها من:

•  طبيعة السلطة طبقياً.

•  الواقع الرسمي العربي المضاد لأي قرار سيادي.

•  الوضع الدولي المتغير ببطء.

 

لذا استضافت الجزائر مختلف الفصائل الفلسطينية وهي تعلم مسبقاً أن لقاء هؤلاء أشبه بلقاء بروتوكولي بين دول وليس بين مكونات حركة وطنية هدفها التحرير، وبالطبع لم يترتب على اللقاء أي تطور على صعيد ترميم البيت الفلسطيني. ولا يختلف انعقاد مؤتمر القمة في الجزائر كثيرا عن المؤتمر الفلسطيني إذ أوضح للجزائر محدودية الدور الذي يمكنها أن تلعبه في الواقع الرسمي العربي، بصفتها برجوازية محلية لا تطمح لدور قيادي على الصعيد العربي وذلك لأن الواقع لا يواتي من جهة، ولأنها هي نفسها أكثر قطرية مما هي عروبية. لذا، رضي النظام الجزائري بعدم حضور سوريا، والذي يعني تكريس هيمنة أنظمة النفط على القمة بمنعها سوريا من جهة، وعدم مشاركة بعضها ومشاركة البعض بمستويات ثانية من السلطة.

 

إن درجة جذرية النظام في الجزائر لا تؤهله للعب دور قيادي في الوطن العربي يواجه هيمنة السعودية وتخاذل النظام المصري، ولذا لم تقم بأية خطوة لتصحيح مسار أو تجاوز جامعة الدول العربية. لكن فرص تحسن دخل الجزائر من الريع النفطي مكنت السلطة من تنشيط الصناعة هناك، ومن لعب دور في سوق النفط الدولية وخاصة في العلاقة مع الدول الأوروبية حيث لم تتورط ضد روسيا. ولكن السلطة الجزائرية تذهب باتجاه العضوية الرسمية في تجمع بريكس وهذا يقود بالطبع إلى تجذر في سياستها المحلية والدولية، ويُفارقها على معظم الأنظمة العربية التي من الصعب استدارتها نحو الشرق.

 

وبدوره، فإن محور الإمبريالية وتوابعها لا يعتقون الجزائر تنهج طريقاً خارج نطاق التبعية، ولذا يسلحون ويدفعون النظام المغربي للتصعيد ضد الجزائر إلى درجة احتمال انفجار معين يُفضي بحده الأدنى إلى إعاقة تطور الجزائر. وبالطبع يغطي نظام المخزن عدائه للجزائر بسبب الصحراء الغربية وهي تغطية زائفة ليس لأن نظام المغرب تابع وإذا ما وسع سيطرته الجغرافية سيوسع حدود تبعيته، بل لأن النظام نفسه يعلم بأن الصحراء عصية على الخضوع بمعنى أن قرار الاستقلال عن نظام تابع وصهيوني هو ذاتي وليس فقط بسبب الدعم الجزائري.

 

-         تونس:

رغم مرور قرابة عامين على إزاحة الرئيس قيس إسعيد لنظام الدين السياسي وبقايا الحزب الحاكم السابق وفرانكفونيي فرنسا، إلا أن البلد لم يستقر بعد. فلا النظام السابق استسلم هو ومؤيديه ولا النظام الحالي ترسخ.

وقد نلخص المرحلتين في التالي:

ترافق تغيير الوضع في تونس مع استلام قوى الدين السياسي للسلطة عبر الانتخابات. لم تغير السلطة شيئاً لا في التوجه الاقتصادي ولا المبنى الاقتصادي المحلي ولا في العلاقات بالنظام الرأسمالي العالمي. أما على المستوى العروبي فقد تبنى النظام سياسة التقرب من أنظمة الدين السياسي وخاصة قطر، ومن هذه البوابة كان له دور أكبر من حجمه في تحالف الإمبريالية وإرهابيي الدين السياسي وخاصة ضد سوريا، حيث استضاف مؤتمر "أصدقاء سوريا أل 41 دولة".  وفتح باب التطوع للجهاد المزدوج في سوريا للرجال والنساء، وحينما أسقط إسعيد سلطة هؤلاء كانت سوريا قد أخذت في التعافي الانتصاري.

 

لقد رفع إسعيد عدة شعارات مقبولة لكن نصيبها في التحقق كان باردا:

•  فرغم أحاديثه البلاغية ضد التطبيع، إلا أن أحداً لم يلمس مواقف جذرية في هذا المستوى.

•  ورغم شعار محاربة الفساد واستعادة أموال الدولة من الفاسدين إلا أن خطى حقيقية في هذا المستوى لم يُعلن عنها.

•  كما أنه لم يحقق ما هو ملموس في دور حركة النهضة في اغتيال الشهيدين البراهمي وبلعيد.

كما لم يحصل تحسن على الوضع الاقتصادي الذي وعد به الرئيس مما قاد إلى نتائج باهتة للانتخابات ولبرلمان ضعيف التمثيل. وفي خطوة للتوجه غرباً، ربما في حلم المساعدة سواء الخليجية أو الغربية شاركت تونس في مؤتمر دعم أوكرانيا!

 

لذا بوسعنا القول بأن عملية شد حبل بين النظام وأمريكا تدور حالياً، فما أن أعلنت تونس عن تحسين علاقتها بسوريا حتى وصلتها تعليمات أمريكية بعدم الرضى عن النظام. وقد يكون هذا ما دفع إسعيد إلى قرار رفع العلاقات الدبلوماسية مع الشام إلى إعادة السفير وخاصة أن هذه أصبحت موضة اللحظة من قبل الأنظمة العربية. كما يمكن فهم خطوة إسعيد على أنها مؤشر على تراجع/ تراخي قبضة الإمبريالية واستغلال المحيط لهذا التراخي، بل وصول العلاقات الدولية أو انتقالها من فرصة التراخي إلى فرصة أوسع أي انتقال النظام العالمي إلى تعددية قطبية.

---------

ملاحظة1: ليس شرطاً أن يغطي المشهد كافة الأقطار العربية إلا إذا كان هناك تطور لافت في هذا القطر أو ذاك.

ملاحظة2: لم نُدرج الكيان في التحليل كي لا يبدو وكأنه جزء من الوطن الكبير.

ملاحظة 3: غطى هذا التحليل زمنيا حتى يوم 14 نيسان 2023.