عن القمة: هل يمكنك أن تكتب عربيا؟ في دُوار"ديكتاتورية الناس" ؟

د.عادل سمارة

أختتمت القمة على وعد تغيير الكثير من الجميع ولو فرادى. ودائماً في السياسات الرسمية العربية تبقى الرسالة نفسها: عليكم أيها الناس أن تطمئنوا فلا تسألوا ولا تتسائلوا.هذا وكأن العرب في الحج حيث مضمون  الآية الكريمة "فلا رفث ولا جدال ولا فسوق في الحج.! والمعضلة أن المتحدثين هم أنفسهم  أهل الرفث والجدال وحتى العدوان والاقتتال!

ثم يأتي الإعلام ، وهو عديد متعدد، ليقدم لك رسالة ببعد واحد هو هوى بل تعليمات من يملك ويموِّل وبالتالي يجد القارىء والمشاهد نفسه في بحر متلاطم الموجات كل موجة تضرب الأخرى "بعكس غناء أم كلثوم : "والموجة تجري ورا الموجة عايزه تطولها تشكيلها وتبثها حالها/كي تطرب انت"  فتُصاب أنت بالدُوار.

هذا إلى أن تصل إلى الناس، فتجد مخاليطاً متنافرة بقرار وإصرار، الكل يريدك أن تكتب ما يعرفه ويُطربه! وحين يتعدد المستمعون، لا يعرف المغني اي خيار يؤديه.  ولكن يا سيادة المستمع/القارىء: إذا كنت سأقول ما تعرف وتحب، فما لزوم أن تسمعني! غير التطريب والتطريب غالباً فصيلة من الأفيون!

أبدأ بمعترضة رداً على (ل.ع) التي كررت اعتراض ونقد ونصيحة إخوة ورفاق  أن أُكتب في النظري ودعك من السياسي لأنك تكتب فيه بشكل ساخن أو كما قال لي أكاديمي  فلسطيني أمريكي الهوى  مستخدما الإنجليزية كتاباتك عنيفة/جدالية Polemic!

لكن النظري إذا ما بقي بعيدا عن السياسة، وإذا استطاع ذلك اصلاً،  يتحول إلى مقدس أو حتى وَثَنْ ينظر إليه أصحاب الحق فيه ولا يطولونه فيشعرون بالاغتراب وبالحزن ايضاً ولا يحظون حتى بمتعة الاعتراب الصوفي فما بالك بالشيوعي.

فلتكتب عروبياً إذن

بقي إذن أن تكتب عربياً شريطة أن تكون، كما تزعم، أنك عروبياً. 

ما معنى هذا وما كلفته؟ يعني هذا الكثير مما قد يخلق لك عدة شخصيات. 

أمام الطبعات المتعددة والمزيفة للإسلام يصبح إسلامك العربي لعنة وأُكذوبة وتاريخ شقاق...الخ وكأن:

•  هؤلاء العرب لم يمدُّوا فتوحاتهم الأموية خاصة من بلاط الشهداء إلى السند ولم يحموا البشرية من ضياع تراث اليونان ويسدوا فجوة عدة قرون ويخصّبوها بالمعرفة والعلم والفلسفة والشعر في نهضة بني العباس.

•  وأمام قوى الدين السياسي تبدو ملحداً لا علمانياً يدعو للإيمان وليس للدين السياسي.

•  وأمام مؤيدي أنظمة عربية لم تفك الحبل السُرّيِ بينها وبين الإمبريالية، ولم توقف تدمير هذا القطر العربي أو ذاك،تكون أنت خارجيا خوارجياً.

•  وأمام القُطريين، انت تدعم دولة ما لأنها تدعم ا.ل.م.ق.او.م.ة بينما هذه الدولة في قطر عربي  آخر تخدم نفسها.

•  وأمام الغرب والأنجزة أنت قومي عربي متعصب ولا حداثي بالطبع.

•  أما أمام المطبعين، فأنت متحجر الراس Stone head.

الكتابة عروبياً هي النقد، وهي التي تعيش تاريخياُ واية كتابة لا تاريخية هي زبد لا يمكث في الأرض ولا يشغل حيِّزا في الفضاء. والنقد احترام للناس حتى لدى خصم يفهم. كيف لا؟ فلو كنت لا تحترم الخصم أو تراه تافهاً، فما لزوم نقدك له؟ والكتابة النقدية احترام للناس، فلو كنت لا تحبهم وتحترمهم فلماذا تكتب لهم، فبوسعك أن تغني لهم مثلاً،إذا كانت لك موهبة الصوت!. النقد تأليف وحافز على التأليف وطوبى لمن يكتب وينقُد معاً. النقد صدق. فحين تنتقد فإنك تتمترس في خندق ، في جبهة، وبالتالي لا يمكنك المناورة والتلوي والتلوُّن لأنك اخترت واحتراما لخيارك عليك الوفاء. أنت في النقد تماماً كالغٍواري الذي يتمتع بشرف الكمون خلف بندقيته.  وحين تكون في الخندق، لايمكن لأحد اغتيالك بتهمة القبض وبيع الموقف لأنك في الخندق تجمع بين جسمك وجسدك وروحك وفكرك هذا الرُباعي المقدس.

وإذا بلغت هذا المقام تكن كتابتك وجدا صوفياً في السياسة والنظرية ، تكن قوياً وعلى ثقة في مواجهة:

•  أبواق الكلام التي تطنُّ ولا تدخل 

•  ولا أبواق البنادق التي حولها المال إلى ضجيج لا رصاص 

في نقد القمة:

سيقول البعض، ومن هذا الأعرابيُّ الذي يتطاول على عالي المقامات! 

ولكن ليس الأمر لدينا تطاولاً أو تزلُّفاً بل إنارة وتنويراً. 

سمعت حديثاً لأكثر من محلل يصف هذه القمة مُعظّما إيَّاها بأنها في مقام قمة الخرطوم 1967 :لا صلح لا مفاوضات ولا اعتراف". 

كانت قمة الخرطوم مخصصة للقضية المركزية اي فلسطين، حتى رغم هزيمة الدولةالعربية المركزية مصر الناصرية. كانت الدولة المركزية في بقايا عزها ففرضت هذا الشعار التاريخي.

لكن قمة اليوم وقد زعمت أن القضية الفلسطينية هي القضية العربية المركزية ووضعت هذا البند في قائمة الحديث والمقررات معبَّر عنه ب"حل الدولتين والمبادرة العربية"! وبالتالي فهذا يعني أن فلسطين هي فقط الضفة الغربية وقطاع غزة وأقل قليلاً أو كثيراً لا فرق. أي لم تعد فلسطين قمة الخرطوم هي فلسطين قمة جدة! وإذا ما قمنا باحترام الحيِّز الجغرافي وتحطيم الحيز الفلسطيني فإن القمةهي قمة الكيان لأن القمة تستسلم للكيان مقدمة له هدية ثلاثة ارباع فلسطين.

نعم هدية.  قدمني الصحفي،من الأهواز، ناصر المطرقي لعمه: هذا الأخ من فلسطين المحتلة. كان ذلك عام 1985 في لندن. فقال الرجل: لا يا أخي هي مُهداةْ! كنا في معرض لناجي العلي قبل إغتياله. 

هذا جوهر القمة الرسمية وليست قط تعبيراً عن الشعب العربي. هي قمة السلام خيار إستراتيجي، منذ توليد هذا الشعار عام 2002. حيث اقرت به كل الأنظمة العربية ورفضه الكيان. لك أن تتخيل، كل هذه الهدية والكيان يرفضها بكبرياء! . ولكن، لم يمض عقدا من الزمان حتى صارت الحرب خيارا مباشراً واستراتيجيا بإرهاب قوى الدين السياسي العربي والمسلم في طبعة إستشراق إرهابي ولكن ضد ليبيا، وسوريا  واليمن، أما العراق فكان باكراً في ذمة الله بل وحرب السودان على السودان.

ولكي لا يغضب منَّا البعض، نقول، مرغم أخاك على الانتظار ليرى! كي لا تكون الأحكام تعسفية ومسبقة ومتحمسة. ولكن، بما ان القمة في السعودية، فإن هذا النظام قد أكَّد لهذا الموقف المتبرع بسخاء  في قمة الرياض طهران بإشراف الصين حيث أكد على التمسك بالمبادرة العربية. ولأجل حق التاريخ، فإن مؤسس السعودية الحديثة/النفطية عبد العزيز آل سعود هو الذي كتب عبارته الشهيرة:"لا مانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود" وها هو حفيد حفيده يقتطع لنا ربعها ويُبقي للكيان الثلاثة ارباع الأخرى. 

ويبقى السؤال: ترى؟ من الذي لم يسر على خطى عبد العزيزآل سعود؟ 

والجواب بوضوح: فقط من يقاتل من أجل التحرير! وهذه يفهمها اللبيب والعَيِّيْ. 

وقد أدعم هذا الاستنتاج بدعوة زيلنسكي التي يراها البعض إرضاء لأمريكا أو استعدادا لتمويل أوكرانيا بشراء سلاح يُهدى لها ...الخ، ولكن دعوة الرجل هي إشارة بأن الكيان كان على مقعد وإن جلس عليه زيلنسكي.

أكاد اقول بأن هذه القمة عُقدت لهذا البند فقط وأقر الجميع هذا البند، لأن بقية النقاط في مقررات القمة هي مجرد لغة تنتظر التحقُّق والتنفيذ.  فليست قمة سوريا سواء عادوا إليها أو عادت هي، لا يكمن الفارق في هذه السفسطة بل في ما سيترتب على ذلك. وللمقارنة، ما الاختلاف بينها وبين تجميع الفصال في الجزائر وقمة الجزائر!

كل ما قيل وكُتب بعد "المبادرة العربية" هو قيد الاختبار:

•  الموقف من سوريا أي هل سيمضي/يُمحى  تدمير سوريا بالصور والعناق ويبقى الحصار وقد تتناسلت منه حروب أخرى تحت طاقيةالخفاء؟

•  قلق الكيان! من قال أن الكيان صادق في كل ما يقول؟ بل إن قراءة وجه الصهيوني تحتاج إلى أُناس ذوي بصيرة وبصر.

•  خروج من تحت عباءةأمريكا؟ وهل ينسى أحد عشقه القديم؟ هذا الخروج يحتاج لرجال سيقانهم من فولاذ وقاماتهم عروبية. وحتى الخروج، هل سيكون بولاء لآخر. لا تغضبوا، فالصين بلد يخدم الصين لا نحن. وطريق الحرير إن لم نكن عروبيين متحديث فدخولها كدخول حقبة الحريري. إن 22 دولة لن تكون إلا تابعة للصين طالما هي فرادى.

•  هل أنتهى التطبيع؟ بل هل سيُكتفى بما حصل ولتكن المبادرة العربية هي المخرج؟ يا إلهي،  فبعد الكفر لاذنب، لا داع للتطبيع الفردي طالما صارت الصلاة جماعية. 

•  هل سيكون موقف رسمي عربي ضد إيران حيث افتتح ذلك زيلنسكي في خطابه؟ ولماذا ضد إيران! وليس ضد تركيا وأمريكا وإثيوبيا؟

قد لا أبالغ إن قلت إنها أهم القمم العربية من باب الخطورة تحديداً فهي تسويد السعوديةعلى الأنظمة. وهذا يعني كيف نواجه تسوُّدها على الأمة؟ هذه هي المعركة الحقيقية. في هذا الخندق نقاتل نصمد ننتصر أو نموت.