شهدت سنوات النصف الثاني من القرن العشرين تطوراً مهما في كتابة القصة القصيرة في سوريا، حتى ان سعد الله ونوس قال مرة في مجلة الطريق التي كانت تصدر في لبنان، إن سوريا هي بلد القصة القصيرة بامتياز، وشرح ذلك مقارنة مع الرواية التي انطلقت من مصر، والمقارنة اعتمدت طبيعة العلاقات المنتجة للثقافة في المدينة والريف.
عموماً كان هذا التوصيف دقيقاً الى حد كبير استنادا لواقع الحال، الكتابة والنشر، وظهرت في سوريا أسماء كتاب قصة قصيرة بشكل مبكّر قياساً بكثير من بلدان المنطقة، أسماء كان لها حظ من الانتشار والاهتمام في الأوساط الأدبية والثقافية في المنطقة العربية كلها، وفي سوريا افتتحها حيدر حيدر والعجيلي وعبد الله عبد وزكريا تامر وسعيد حورانية ووليد اخلاصي ومحمد كامل الخطيب وحسن ميم يوسف وغادة اليوسف ومحمود عبد الواحد وخطيب بدلة ووليد معماري ومحمد سليمان وانيس ابراهيم وعبد الحميد يونس ورباب هلال وغسان ونوس ومالك صقور ومحمد حاج صالح ودعد ابراهيم وعدنان رمضان ومحمود حسن ونجلا علي( ميرفت) ويونس يونس .. وغيرهم، وكانت مجموعات القصة القصيرة التي تصدر أكثر بما لا يقاس من المجموعات الشعرية، الا أن الامر بدأ بالتغيّر بسرعة. مع العشرية الأولى في القرن الحالي، حيث بدأت القصة القصيرة بالتراجع والانكفاء أمام مدّ شعري طاغٍ، اتخذ شكل المقطوعات الصغيرة او المتوسطة، ويراوح بين القصة والخاطرة والشعر، رحبت به وسائل التواصل الاجتماعي، ووجد طريقه للصدور فعلا.
وإذا كان الآن هناك كتاب قصة قصيرة فانهم لا يشكلون الا نسبة ضئيلة جدا من الكتاب الذين كتبوا هذا الجنس الادبي، مع الإشارة انهم. اي كتاب القصة الآن .. هم من الرعيل الذي كتب القصة القصيرة في الفترة السابقة، (رباب هلال). مثلا..في مجموعتها الجديدة المعلّمة .. قومي يامريم.حيث لم تظهر أسماء جديدة ترفد مسيرة كتابة القصة، ويبرز السؤال عن تفسير ذلك .. هل كانت القصة القصيرة التي عرفناها هي حالة انتقالية الى القصة القصيرة جدا او قصة الومضة في ما سمي بالأدب الوجيز الآن؟ تماما كقصيدة التفعيلة ابنة قصيدة العمود الشرعية، التي ظهرت وامتدت في ذات فترة تمدد القصة القصيرة، هو سؤال يستحق الوقوف عنده نظرا لواقع الحال، فجيل كتاب القصة القصيرة لم ينجبوا أبناء ورثة يتابعون كتابة القصة وتطويرها، ومن لم يمت منهم توقف وتقاعد عن كتابة القصة القصيرة، في الوقت الذي نشهد فيه نشاطاً غير مسبوق لكتابة الشعر، الذي يبدو اكثر اغراء وجاذبية من بقية الاجناس الأدبية، وأكثرها إشكالية فيما يتعلق بالتقييم والدراسة.
هي ظاهرة تستحق الدراسة والتفحص فعلا، واذا كان لنا ان نبدي رأياً بالموضوع، فإننا نرى ان الامر يمكن أن يُعزى لسببين اثنين، الأول هو ان القصة القصيرة جدا التي سرقت الأضواء على حساب القصة القصيرة العادية، قد تمأسست بسرعة، ونهضت هيئات وجهات تعنى بها وتسوقها، من حيث النشر او المهرجانات او الاهتمام النقدي، الامر الذي لم يتح للقصة القصيرة العادية الا بشكل خجول في القرن الماضي، هذا الامر يقودنا الى السبب الثاني الذي يبدو متصلا بالأول بنيويا، وهو وسيلة النشر وطريقة التوصيل، ففي حين كان مكان نشر القصة القصيرة هو المجلة او الصحيفة الورقية التي تصدر، اصبح مكان نشر القصة القصيرة جدا هو الشبكة التفاعلية الالكترونية.. الفيس بوك تحديدا، هذا الفيس بوك كما نعرف هو مكان مناسب جداً لكتابة النصوص القصيرة جدا. قصة او شعرا، هو متصفح كما يسمونه، أي نمر به صفحا، ولا مجال لقراءة قصص قصيرة تبلغ أحيانا عشرات الصفحات، الامر ذاته ينطبق على الدراسات والنقد والمواضيع التي تحتاج لصفحات، اذن تبدو طبيعة العلاقة مع وسيلة النشر هي السبب، ولن نتطرق الى أسئلة استنفاذ المهمة او الوظيفة التي تحدث عنها البعض في القصة القصيرة وقصيدة التفعيلةـ فلهذا مبحث آخر، فهل نكون ننعي القصة القصيرة الآن.