وقاحة اليسار الإسرائيلي بلغت حد مطالبة الضحية بحل أزمة إسرائيل!
سلام موسى جعفر
تشهد دولة العدو الصهيوني أزمة عميقة وخطيرة سياسية واجتماعية، خطيرة لأنها تنذر بقيام حرب أهلية، ومن الطبيعي ومن المنطقي أن يهتف الفلسطيني ومعه كل عربي شريف "اللهم زد وبارك". ولست مُلزماً في هذا المنشور أن أوثق أسبابي لهذا الموقف. فليس من الإنسانية الحقة أن نتضامن مع العدو في محنته بحجة "عفا الله عما سلف" فنضحي بمستقبل أطفالنا حين نتعاطف مع مجتمع فقد انسانيته منذ لحظة صناعته في مطابخ الصهيونية وداعميها، ومع دولة مُجرمة مارست القتل والتهجير بحق الشعب الفلسطيني وشنت سلسلة من الحروب ضد الدول العربية لم تتوقف يوماً.
الإسرائيلي "اليساري" يعقوب بن افرات يكتب في الحوار المتمدن مقال بعنوان " أزمة مصيرية في إسرائيل والفلسطينيون يتجاهلونها".
يكشف ابن افرات في هذا المقال وبكل وضوح عن الهوية الحقيقية لما يُعرف باليسار الإسرائيلي. لقد خبرنا دور هذا اليسار كأحد فصائل الحركة الصهيونية في مرحلتي التأسيس والتوسع حيث لعب دور شاهد الزور على حقيقة إسرائيل كدولة عنصرية فاشية منذ لحظة قيامها، وتقديمها بالضد من جوهرها الى العالم كواحة للديمقراطية في وسط صحراء من الدكتاتوريات. وبهدف تجميل صورة إسرائيل البشعة شكلاً وجوهراً، لجأ هذا اليسار الى لعبة انتاج وإخراج وتمثيل مسرحية الاعتراض على بعض السياسات والممارسات العنصرية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وتوجيه النقد العلني إليها، وهو النقد الذي لا يُغني ولا يُسمن من جوع الشعب الفلسطيني المتعطش الى تحرير أرض وطنه من دنس الحركة الصهيونية ولملوم الحثالات التي استوطنت أرضه.
ابن افرات في هذا المقال يُضيف الى مهام اليسار الإسرائيلي مهمة جديدة تتمثل في محاولة انقاذ إسرائيل من أزمتها، ويرفع لهذا الغرض عقيرته بضرورة المحافظة على هوية إسرائيل "الديمقراطية". وهذه ليست قضيتنا، بل هي مشكلة كاتب المقال ومن يحذو حذوه من الإسرائيليين سواء اليساري منهم أم الليبرالي.
شن كاتب المقال هجوماُ على ما أسماه بتجاهل الفلسطينيين لهذه الأزمة، والذي عده تعامل سلبي "مع هذه التطورات الخطيرة في إسرائيل وكأنها تحدث في الطرف الآخر من المحيط وليس في دولة تسيطر تماماً على حياتهم اليومية والمستقبلية." ووصف الموقف الفلسطيني ب "القراءة السطحية" و "قصر نظر" و "منطق أعوج". الموقف الفلسطيني أعوج وسطحي بنظر اليسار الإسرائيلي لأنه، حسب ابن افرات، يعتمد "على الواقع الظاهر" ولا يتعامل مع "الجذور العميقة التي وضعت الدولة اليهودية بوضع حرج وانقسام داخلي غير مسبوق في تاريخها."
ويقول "وعلى الرغم من أن العداوة للفلسطينيين قد شكلت أساس الاجماع القومي الصهيوني منذ تأسيس الدولة " وفي محاولة منه لإيقاع بعض الفلسطينيين في فخ مُعد مسبقاً، يزعم أن "الانشقاق العميق للمجتمع إلى معسكرين متخاصمين" افرز ظاهرة "تغلب الكراهية فيما بينهما على كراهيتهما للفلسطينيين." (سبحان مُغير الأحوال من حال إلى حال) وأوضح أن "الصراع داخل إسرائيل يدور على هوية البلاد، فهل ستكون دولة يهودية على حساب طابعها الديمقراطي العلماني؟" ليستنتج أن الأحداث هي انقلاب فاشي "يفرض تغييراً فكرياً وسياسياً"
ملامح هذا التغيير تتمثل عند الكاتب باحتمال تساؤل الجناح الليبرالي "كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ وكيف استطاع الجناح الديني الفاشي أن ينقلب على مؤسسي الدولة وعلى وثيقة الاستقلال نفسها؟" ويواصل هذيانه بالقول "وإذا أضفنا الانقلاب على النظام الذي تقوده الصهيونية الدينية التبشيرية التي تسعى لفرض الشريعة اليهودية على أغلبية الإسرائيليين فلا يمكن من الآن وصاعداً الفصل بين القضية الفلسطينية والديمقراطية"
ولأجل تمرير عملية خداع الشعب الفلسطيني يلجأ الكاتب الى استخدام نفس حديث الشارع الفلسطيني المستاء أصلا من سلطات رام الله وغزة، فيقوم بتوجيه هجومه على السلطتين، لكنه في سياق محاولاته هذه يعمل أيضا على تثبيط عزيمة الشباب الفلسطيني المقاوم " إن هذه العمليات المسلحة إذا تحبط وتربك الجيش الإسرائيلي وتثبت فشل الحل الأمني الذي تعتمده إسرائيل بدل من البحث عن حل للقضية الفلسطينية" لكنها بدون أفق سياسي. ويواصل التهريج "إن ما يحدث من أزمة وجودية في إسرائيل.... يفرض طرح برنامج ديمقراطي على أساس الاعتراف بأن لا عودة إلى الماضي وأن الواقع الحالي يفرض علينا الاعتراف بأن علينا أن نعيش في دولة واحدة ما بين نهر الأردن والبحر".
والى الهدف بعد طول مراوغة يصل كاتب المقال "والمعادلة اليوم أصبحت واضحة إما ديمقراطية تشمل الإسرائيليين والفلسطينيين أو "نظام أبارتهايد" يقمع الفلسطينيين بوحشية ويحول حياة الإسرائيليين إلى جحيم. المطلوب إذاً هو تطوير وصياغة رؤية تضمن الحريات الأساسية للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني سويةً."
ابن افرات، كمواطن إسرائيلي كغيره من ممثلي اليسار الإسرائيلي حق الدفاع عن كيان دولته والعمل على حل أزمتها الوجودية، أما ربط القضية الفلسطينية ب "ديمقراطية" إسرائيل فهذه صفاقة بتزوير الحقائق. الأسوء من التزوير، درجة الوقاحة التي وصلت به أن يطلب من الضحية انقاذ الجلاد قاتل أطفاله من أزمته الوجودية، حين دعا الفلسطينيين إلى المساهمة في الدفاع عن ديمقراطية إسرائيل المهددة من الفاشية الدينية.
فيا ابن افرات! ما الذي حصل عليه الشعب الفلسطيني من ديمقراطية كيانكم في الخمسة والسبعين عاماً من عمره، حتى يخشى البديل الفاشي؟!